9 مصاحف

9 مصاحف روابط 9 مصاحف

الأربعاء، 27 مارس 2024

كتاب المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ عبد الرحمن بن الجوزي أبو الفرج

 

كتاب  المصفى بأكف أهل الرسوخ

 

 من علم الناسخ والمنسوخ عبد الرحمن 

 

بن الجوزي أبو الفرج

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله ذي العز الرفيع الشامخ والصلاة على رسوله محمد ذي القدر المنيع الباذخ فهذا حاصل التحقيق في علم الناسخ والمنسوخ وقد بالغت في اختصار لفظه لأحث الراغب على حفظه فالتفت أيها الطالب لهذا العلم إليه وأعرض عن جنسه تعويلا عليه ففيه كفاية فإن آثرت زيادة بسط أو اخترت الاستظهار لقوة احتجاج أو ملت الى إسناد فعليك بالكتاب الذي اختصر هذا منه وهو كتاب عمدة الراسخ والله الموفق

باب ذكر فصول تكون كالمقدمة لهذا الكتاب

فصل أنكرت اليهود جواز النسخ وقالوا هو البداء والفرق بينهما

أن النسخ رفع عبادة قد علم الأمر بها من القرآن للتكليف بها غاية ينتهي إليها ثم يرتفع الإيجاب والبداء هو الانتقال عن المأمور به بأمر حادث لا بعلم سابق ولا يمتنع جواز النسخ عقلا لوجهين أحدهما أن للآمر أن يأمر بما شاء والثاني أن النفس إذا مرنت على أمر ألفته فإذا نقلت عنه الى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فظهر منها بالإذعان والانقياد لطاعة الآمر وقد وقع النسخ شرعا لأنه قد ثبت من دين آدم عليه السلام وطائفة من أولاده جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل في يوم السبت ثم نسخ ذلك في شريعة موسى عليه السلام
فصل والنسخ إنما يقع في الأمر والنهي دون الخبر المحض والاستثناء ليس بنسخ ولا التخصيص وأجاز بعض من لا يعتد بخلافه وقوع النسخ في الخبر المحض وسمى الاستثناء والتخصيص نسخا والفقهاء على خلافه
فصل وشروط النسخ خمسة أحدهما أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا فلا يمكن العمل بهما والثاني أن يكون حكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ والثالث أن يكون حكم المنسوخ

ثابتا بالشرع لا بالعادة والعرف فإنه إذا ثبت بالعادة لم يكن رافعه ناسخا بل يكون ابتداء شرع آخر والرابع كون حكم الناسخ مشروعا بطريق النقل كثبوت المنسوخ فأما ما ليس مشروعا بطريق النقل فلا يجوز أن يكون ناسخا للمنقول ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس والخامس كون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق ثبوت المنسوخ أو أقوى منه ولهذا نقول لا يجوز نسخ القرآن بالسنة

فصل في فضل هذا العلم

روى أبو عبد الرحمن السملي أن عليا رضي الله عنه مر بقاض فقال أتعرف الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت وفي لفظ أنه قال من أنت قال أنا أبو يحيى قال بل أنت أبو اعرفوني
فصل والمنسوخ في القرآن أضرب أحدها ما نسخ رسمه وحكمه وقد كان جماعة من الصحابة يحفظون سورا وآيات فشذت عنهم فأخبرهم النبي صلى الله عليه و سلم أنها رفعت الثاني ما نسخ رسمه وبقي حكمه كآية الرجم الثالث ما نسخ حكمه وبقي رسمه وله وضعنا هذا الكتاب

باب ذكر آي في سورة البقرة في ذلك
الآية الأولى قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون قال مجاهد هي نفقة النقل وقال آخرون هي الزكاة وتحتمل العموم فالآية محكمة وزعم بعضهم أنها نفقة كانت واجبة قبل الزكاة وزعم أنه كان فرض أن يمسك مما في يده قدر كفاية يومه وليلته ويفرق الباقي على الفقراء ثم نسخ ذلك بآية الزكاة وهو بعيد
الثانية إن الذين ءامنوا والذين هادوا زعم قوم أنها منسوخة بقوله ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهذا لا يصح لأنه إن أشير الى من كان في زمن نبي تابعا لنبيه قبل بعثة نبي آخر فأولئك على الصواب
وإن أشير إلى من كان في زمن نبينا فإن من ضرورته أن يؤمن بنبينا عليه السلام ولا وجه للنسخ ويؤكده أنها خبر والخبر لا ينسخ

الثالثة بلى من كسب سيئة الجمهور على أن المراد بها الشرك فلا يتوجه النسخ وقيل الذنوب دون الشرك فيتوجه بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ويمكن حمله على من أتى السيئة مستحلا فلا نسخ
الرابعة وقولوا للناس حسنا قيل الخطاب لليهود فالتقدير من ساءلكم عن بيان محمد فاصدقوه وقيل أي كلموهم بما تحبون أن يقال لكم فعلى هذا الآية محكمة وقيل المراد بذلك مساهلة المشركين في دعائهم الى الإسلام فالآية عند هؤلاء منسوخة بآية السيف وفيه بعد لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار يحتاج إلى دليل
الخامسة فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره زعم قوم

أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح لأنه لم يأمر بالعفو مطلقا بل الى غاية ومثل هذا لا يدخل في المنسوخ
السادسة فأينما تولوا فثم وجه الله ذهب بعضهم الى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت بقوله فول وجهك شطر المسجد الحرام فإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره فولوا وجوهكم في الصلاة أنى شئتم ثم ينسخ ذلك القدر والصحيح أنها محكمة لأنها أخبرت أن الإنسان أين تولى فثم وجه الله ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة لا على وجه النسخ
السابعة ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم قال بعضهم هذا يقتضي نوع مساهلة الكفار ثم نسخ بآية السيف وهو بعيد لأن من شرطها التنافي ولا تنافي وأيضا فإنه خبر
الثامنة إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى زعم

بعض من قل فهمه أنها نسخت بالاستثناء بعدها وهذا لا يلتفت إليه وذلك كلما أتى من هذا الجنس فإن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ وليس بناسخ
التاسعة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ذهب بعضهم الى أن دليل الخطاب منسوخ لأنه لما قال الحر بالحر اقتضى أنه لا يقتل العبد بالحر وكذا لما قال والأنثى بالأنثى اقتضى أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب فذلك منسوخ بقوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وهذا ليس بشيء يعول عليه لوجهين أحدهما أنه إنما ذكر في المائدة ما كتبه أهل التوراة وذلك لا يلزمنا فإن قيل شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه وخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النسخ فتلك الآية أولى أن تكون منسوخة بهذه من هذه بتلك والثاني إن دليل الخطاب إنما يكون حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحرة فلأن يوازي العبد أولى
العاشرة كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ذهب كثير من العلماء إلى نسخها بآية الميراث ونص

أحمد على ذلك فقال الوصية للوالدين منسوخة
الحادية عشرة كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى صفة الصوم وكان قد كتب على من قبلنا أنه إذا نام أحدهم في الليل لم يجز له الأكل إذا انتبه بالليل ولا الجماع فنسخ ذلك عنا بقوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية والصحيح أن الإشارة إلى نفس الصوم والمعنى كتب على من قبلكم أن يصوموا وليست الإشارة إلى صفة الصوم ولا إلى عدده فالآية على هذا محكمة
الثانية عشرة وعلى الذين يطيقونه فدية في هذا مضمر تقديره وعلى الذين يطيقونه ولايصومونه فدية ثم نسخت بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه

الثالثة عشرة وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا قيل المنسوخ منها أولها لأنه اقتضى أن القتال إنما يباح في حق من قاتل من الكفار دون من لم يقاتل ثم نسخ بآية السيف وهذا القائل إنما أخذه من دليل الخطاب ودليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه دليل أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السيف وغيرها وقال آخرون المنسوخ منها ولا تعتدوا قالوا والمراد به ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام والحرم ثم نسخ بآية السيف وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية
الرابعة عشرة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ذهب قوم الى أن هذا منسوخ بآية السيف والصحيح أنه محكم وأنه لا يجوز أن يقال أحل في المسجد الحرام حتى يقاتلوا فإنما أحل القتال لرسول الله ساعة من نهار وكان ذلك تخصيصا له لا على وجه النسخ
الخامسة عشرة فإن أنتهوا فإن الله غفور رحيم قال بعضهم إن انتهوا عن الكفر فعلى هذا الآية محكمة وقال آخرون عن قتال المسلمين لا عن الكفر فتوجه النسخ بآية السيف

السادسة عشرة يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير نسخت الآية بآية السيف
السابعة عشرة يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير قال جماعة تضمنت ذم الخمر لا تحريمها ثم نسخها فاجتنبوه
الثامنة عشرة ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو قيل المراد بهذا الإنفاق الزكاة وقيل صدقة التطوع فالآية محكمة وزعم آخرون أنه إنفاق ما يفضل عن حاجة الإنسان وكان هذا واجبا فنسخ بالزكاة
التاسعة عشرة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا وكذلك العشرون وذلك قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ

الحادية والعشرون والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا الى الحول غير إخراج قال المفسرون كانت الجاهلية تمكث زوجة المتوفي في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه فأقرهم بهذه الآية على مكث الحول ثم نسخها يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
الثانية والعشرون لا إكراه في الدين اختلفوا فيه فقيل هو من العام المخصص خص منه أهل الكتاب فعلى هذا هو محكم وقيل نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف
الثالثة والعشرون وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قيل نسخت بقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقال ابن عباس نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها وقال مجاهد في الشك واليقين فعلى هذا الأية محكمة ويؤكده أنه خبر

سورة آل عمران

ألأولى وإن تولوا فإنما عليك البلاغ قالوا هي منسوخة بآية السيف وبعضهم يقول إنها نزلت تسكينا لجأشه فإنه كان يزعم في الحرص على إيمانهم فقيل له إنما عليك البلاغ لا أن تشوق قلبهم إلى الصلاح فالآية على هذا محكمة
الثانية إلا أن تتقوا منهم تقاة قيل المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل فالفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف وليس هذا بشيء وإنما المراد جواز تقواهم إذا أكرهوا المؤمنين على الكفر بالقول الذي لا يعتقد وهذا الحكم باق غير منسوخ
الثالثة اتقوا الله حق تقاته ذهب كثير من المفسرين ألى أنها نسخت بقوله فاتقوا الله ما استطعتم والصحيح أنها

محكمة وان ما استطعتم بيان لحق تقاته فإن القوم ظنوا أن حق تقاته ما لا يطاق فزال الإشكال ولو قال لا تتقوه حق تقاته كان نسخا

سورة النساء

ألأولى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف روى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال نسخها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وهذا يقتضي قول ابي حنيفة لأن المشهور عنه أنه لا يجوز للوصي الأخذ من مال اليتيم بحال
الثانية وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ذهب جماعة الى إحكامها ثم اختلفوا في الأمر فأكثرهم على الاستحباب وهو الصحيح وبعضهم على الوجوب وقال آخرون نسختها آية الميراث

الثالثة والرابعة واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم وقوله والذان يأتيانها منكم فالأولى دلت على أن حد الزانية في ابتداء الإسلام الحبس الى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلا وهو عام في البكر والثيب والثانية أفضت أن حد الزانيين الأذى فظهر من الآيتين أن حد المرأة كان الحبس والأذى جميعا وحد الرجل كان الأذى فقط ونسخ الحكمان بقوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده
الخامسة والذين عقدت أيمانكم كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل على أن يتوارثا ويتناصرا ويتعاقلا في الجناية فجاءت هذه الآية فقررت ذلك ثم نسخت بالمواريث وهذا قول عامة العلماء وقال أبو حنيفة هذا الحكم ليس بمنسوخ إلا أنه جعل ذوي الأرحام أولى من المعاقدة فإذا فقد ذوو الأرحام فالعاقد أحق من بيت المال
السادسة لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال المفسرون هذه الآية اقتضت أباحة السكر في غير أوقات الصلاة ثم نسخ ذلك بقوله فاجتنبوه

السابعة فأعرض عنهم و عظمهم قال المفسرون فيه تقديم و تأخير تقديره فعظمهم فإن امتنعوا من الإجابة فأعرض عنهم وهذا قبل الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف
الثامنة ومن تولى فما أرسلنك عليهم حفيظا زعم قوم انها نسخت بآية السيف وليس بصحيح لأن ابن عباس قال في تفسيرها ما أرسلناك عليهم رقيبا تؤخذ بهم فعلى هذا لا نسخ
التاسعة فأعرض عنهم وتوكل على الله قال المفسرون معنى الكلام أعرض عن عقوبتهم ثم نسخ هذا الإعراض بآية السيف
العاشرة إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق المراد يصلون يدخلون في عهد قوم بينكم و بينهم ميثاق كدخول خزاعه في عهد رسول الله ثم نسخ ذلك بآية السيف

الحادية عشرة ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم ذهب الأكثرون الى أنها منسوخة بقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال قوم هي محكمة ولهم في طريق إحكامها قولان أحدهما أن قاتل المؤمن مخلد في النار وأكدها هنا بأنها خبر والثاني أنها عامة دخلها التخصيص بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم سقطت عنه العقوبه في الدنيا والآخرة فإذا ثبت كونها من العام المخصص فأي دليل صلح للتخصيص وجب العمل به ومن أسباب التخصيص أن يكون قتله مستحلا لأجل إيمانه فاستحق التخليد لاستحلاله وذهب قوم إلى أنها مخصوصة في حق من لم يتب وقيل فجزاؤه جهنم إن جازاه وفيه بعد لقوله وغضب الله عليه ولعنه

سورة المائدة

الأولى لا تحلوا شعائر الله ذهب بعضهم الى إحكامها وقال لا يجوز استحلال الشعائر ولا الهدي قبل أوان

ذبحه وقال آخرون كانت الجاهلية تقلد من شجر الحرم فقيل لا تستحلوا أخذ القلائد من الحرم ولا تصدوا القاصدين الى البيت وذهب آخرون الى أنها منسوخه ولهم في المنسوخ ثلاثة أقوال أحدها ولا آمين البيت الحرام فنسخ في المشركين بقوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا والثاني الآية تحرم الشهر الحرام والآمين إذا كانوا مشركين وهدي المشركين ولم يكن لهم أمان والثالث أن جميعها منسوخ هكذا أطلقه جماعة وليس بصحيح فإن قوله وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى إلى آخرها فلا وجه لنسخه
الثانية وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فيها ثلاثة أقوال إحداها أنها اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق وإن علمنا أنهم أهلوا عليها بغيراسم الله وأشركوا به غيره هذا قول الشعبي وآخرون والثاني أن ذلك كان مباحا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه والثالث

إنما أبيحت ذبائحهم لأن الأصل أنهم يذكرون اسم الله فمتى علم أنهم قد ذكروا غير اسم الله لم يؤكل فعلى هذا الآية محكمة
الثالثة فاعف عنهم واصفح الأكثرون على نسخها بآية السيف وقال ابن جرير يجوز أن يعفو عنهم في غدرة فعلوها ما لم يصيبوا حربا ولم يمتنعوا من أداء الجزية فلا يتوجه النسخ
الرابعة فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم اقتضت تخيره بين الحكم وتركه ثم قيل وهل هذا التخيير ثابت أم نسخ فيه قولان أحدهما في الحكم أنه نسخ بقوله وأن احكم بينهم بما أنزل الله وهذا مذهب ابن عباس وعطاء وعكرمة

والسدى والثاني أنه ثابت لم ينسخ وأن الإمام ونوابه مخيرون إذا ترافعوا اليهم إن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا فإن حكموا حكموا بالصواب
الخامسة ما على الرسول إلا البلاغ قيل هي محكمة والمراد ما عليه إلا البلاغ لاالهدى وقيل إنها تتضمن الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف والأول أصح
السادسة عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم
فيها قولان أحدهما أنها تضمنت الأمر بكف الأيدي عن قتال الضالين فنسخت بآية السيف والثاني أنها محكمة لأنها لا تمنع من قتال المشركين فهو الصحيح
السابعة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم الإشارة بهذا الى الشاهدين اللذين شهدا على الموصي في السفر وفي قوله أو آخران من غيركم قولان أحدهما من غير عشيرتكم وهم مسلمون أيضا فعلى

هذا الآية محكمة والثاني من غير ملتكم وهل هذا الحكم باق عندنا إنه باق لم ينسخ وهو قول ابن عباس وابن المسيب وابن جبير وابن سيرين والشعبي والثوري والثاني أنه منسوخ بقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وإليه مال أبو حنيفة ومالك والشافعي ونحن نقول هذا موضع ضرورة فجاز فيه ما لا يجوز في غيره لقبول الشهادة من النساء بالنفاس والحيض والاستهلال

سورة الأنعام

الأولى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم

زعم بعضهم أنه كان يجب على النبي خوف عواقب الذنوب ثم نسخ بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الظاهر من هذه المعاصي الشرك لأنها جاءت عقب ولا تكونن من المشركين فإذا قدرنا بالعفو من ذنب إذا كان لم تقدر المسامحة في شرك لو تصور إلا أنه لما لم يجزه في حقه بقي ذكره على سبيل التهديد والتخويف من عاقبته كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك فعلى هذا الآية محكمة وتوكيده أنها خبرية والأخبار لا تنسخ
الثانية قل لست عليكم بوكيل فيه قولان أحدهما أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة ثم نسخ بآية السيف والثاني أن معناه لست عليكم حفيظا إنما أطالبكم بالظواهر من الإقرار والعمل لا بالأسرار فعلى هذا هو محكم وهو الصحيح وتوكيده أنه خبر
الثالثة وإذا رأيت الذين يخوضون في ءاياتنا فأعرض عنهم

المراد بهذا الخوض الخوض بالتكذيب ويشبه أن يكون الإعراض منسوخا بآية السيف
الرابعة وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا فيه قولان أحدهما اقتضى المسامحة لهم والإعراض عنهم ثم نسخ بآية السيف والثاني أنه خرج مخرج التهديد كقوله ذرني ومن خلقت وحيدا فعلى هذا هو محكم وهو الصحيح
الخامسة قل الله ثم ذرهم فيه قولان أحدهما أنه أمر بالإعراض عنهم ثم نسخ بآية السيف والثاني أنه تهديد فهو محكم وهو الصحيح
السادسة فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ قيل تضمنت ترك قتال المشركين ثم نسخ بآية السيف وقيل المعنى لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم فعلى هذا هي محكمة
السابعة وأعرض عن المشركين قال ابن عباس نسختها

آية السيف
الثامنة وما جعلناك عليهم حفيظا قال ابن عباس نسخت بآية السيف وعلى ما ذكرنا في نظائرها تكون محكمة
التاسعة فذرهم وما يفترون إن قلنا هذا تهديد فهو محكم وإن قلنا أمر بترك قتالهم فمنسوخ بآية السيف
العاشرة ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ذهب جماعة منهم الحسن وعكرمة إلى نسخها بقوله وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وهذا غلط لأنهم إن أرادوا النسخ حقيقة فليس نسخا وإن أرادوا التخصيص وأنه خص بآية المائدة وطعام الذين أتوا الكتاب فليس بصحيح لأن أهل الكتاب ذكروا اسم الله على الذبيحة فحمل أمرهم على تلك فإن تيقنا أنهم تركوه جاز أن يكون من نسيان والنسيان لا يمنع الحل أولا عن نسيان لم يجز الأكل فلا وجه للنسخ فعلى قول الشافعي هذه الآية محكمة لأنه إما أن يراد بها عند الميتة أو يكون نهي كراهة

الحادية عشرة قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون للمفسرين فيه قولان أحدهما أن المراد بها ترك قتال الكفار فهي منسوخه بآية السيف والثاني التهديد فهي محكمة وهو الأصح
الثانية عشرة فذرهم وما يفترون قيل هذا تهديد ووعيد فهو محكم وقد يقتضي قتال المشركين فهو منسوخ بآية السيف
الثالثة عشرة وءاتوا حقه يوم حصاده قال عطية العوفي كانوا إذا حصدوا وإذ أديس وغربل أعطوا منه شيئا فنسخ ذلك العشر ونصف العشر قلت وهذا إن كان واجبا صح نسخه بالزكاة وإن قيل مستحب فالحكم باق
الرابعة عشرة قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية هذه الآية محكمة وفي وجه إحكامها طريقان أحدهما أنها حصرت

المحرم ولا محرم سواه والثاني أنها أخبرت عن المحرم من جملة ما كانوا يحرمون في الجاهلية وقد ادعى قوم نسخها بآية المائدة ورد هذا عليهم بأن جميع المذكور في تلك الآية ميتة وقد ذكرت الميتة ها هنا وزعم بعضهم أنها نسخت بالسنة فإنها حرمت لحوم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وهذا لا يصح لأن السنة لا تنسخ القرآن والصواب أن يقال هذه نزلت بمكة ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرومات فأخبرت عن المحرمات في الحالة الحاضرة والماضية لا عن المستقبلة فيؤكد إحكامها أنها خبر
الخامسة عشرة قل انتظروا إنا منتظرون قد سبق ذكر نظائرها قيل هي تهديد فتكون محكمة أو تتضمن النهي عن قتالهم فتكون منسوخة
السادسة عشرة لست منهم في شيء قال السدي لست من قتالهم في شيء ثم نسخت بآية السيف وقال غيره ليس اليك من أمرهم شيء وإنما أمرهم في الجزاء إلى الله تعالى فعلى هذا تكون محكمة

سورة الأعراف

الأولى وذروا الذين يلحدون في أسمائه قال ابن زيد نسخها الأمر بالقتال وقال غيره هو تهديد لهم وهذا لا ينسخ
الثانية خذ العفو ذهب قوم إلى أنه الزكاة فتكون محكمة وقال آخرون هي صدقة كانت تؤخذ قبل فرض الزكاة ثم نسخت بالزكاة وقال ابن زيد المراد بذلك مساهلة المشركين والعفو عنهم ثم نسخ بآية السيف وأعرض عن الجاهلين قيل نسخ بآية السيف وقيل المراد وأعرض عن مقاتلتهم لسفههم وذلك لا يمنع قتالهم فتكون محكمة

سورة الأنفال

الأولى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم قيل نسختها وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام

وهذا ليس بصحيح لأن النسخ لا يدخل على الأخبار وإنما بينت الآية الثانية استحقاقهم العذاب فأما الأولى فبينت دفعه عنهم لكون الرسول فيهم وكون المؤمنين يستغفرون فلا وجه للنسخ
الثانية وإن جنحوا للسلم فاجنح لها قال ابن عباس نسخها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وقال مجاهد آية السيف قلنا إنها نزلت في ترك محاربة أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية فهي محكمة
الثالثة إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين المعنى يقاتلوا ولفظه الخبر ومعناه الأمر ثم نسخ بقوله الآن خفف الله عنكم الآية
الرابعة والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا قال

المفسرون كانوا يتوارثون بالهجرة وكان المؤمن الذي لم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر وذلك معنى قوله تعالى ما لكم من ولايتهم من شيء فنسخت بقوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض

سورة التوبة

فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم زعم بعضهم نسخها بآية السيف

سورة يونس

الأولى إني أخاف إن عصيت ربي تكلمنا على نظيرها في الأنعام
الثانية أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين زعم قوم منهم مقاتل نسخها بآية السيف والصحيح أنها محكمة لأن

الإيمان لا يصح مع الإكراه إنما يصور الإكراه على النطق
الثالثة فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل زعم قوم نسخها بآية السيف وقد سبق الكلام في نظائرها وأنه لا وجه للنسخ
الرابعة واصبر حتى يحكم الله قيل نسختها آية السيف وليس بصحيح لأن الأمر بالصبر إلى غاية وما بعد الآية يخالف ما قبلها على ما بينا في فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره

سورة هود عليه السلام

الأولى إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل قيل معناها اقتصر على انذارهم من غير قتال ثم نسخ بآية السيف ولا يصح وإنما المعنى ليس عليك أن تأتيهم مقترحاتهم من الآيات والوكيل الشهيد

الثانية من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون زعم مقاتل أنها نسخت بقوله تعالى عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وليس هذا بصحيح لأنه الآن خبر
الثالثة والرابعة وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون قال بعضهم هاتان الآيتان اقتضتا تركهم على أعمالهم والاقتناع بإنذارهم ثم نسختا بآية السيف وقال المحققون هذا تهديد ووعيد معناه فستعلمون عاقبة أمركم وهذا لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ

سورة الرعد

فإنما عليك البلاغ قالوا نسخ بآية السيف وعلى ما سبق تحقيقه في نظائرها لا وجه للنسخ

سورة الحجر

الأولى ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون قالوا نسخت بآية السيف والتحقيق أنها وعيد وذلك لا ينافي قتالهم
الثانية فاصفح الصفح الجميل قالوا نسخ بآية السيف
الثالثة وأعرض عن المشركين قالوا نسخ بآية السيف

سورة النحل

الأولى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا في السكر أقوال أحدها الخمر فنسخت بقوله فاجتنبوه ويمكن أن تكون محكمة ويكون المعنى إنما رزقناكم عنبا فتخذتم منه السكر والثاني أنه الخل بلغة الحبشة والثالث أنه

الطعم يقال هذا سكر أي طعم فعلى هذا الآية محكمة
الثانية فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين قالوا نسختها آية السيف وقد بينا في نظائرها أنه لا حاجة الى ادعاء النسخ
الثالثة وجادلهم بالتي هي أحسن ذهب جماعة الى نسخها بآية السيف وفيه بعد لأن الجدال لا ينافي القتال ولم يقل اقتصر على جدالهم
الرابعة وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين قال جماعة أمر أن يقاتل من قاتله ولا يبدأ بالقتال ثم نسخ بآية السيف وقال آخرون هي محكمة لأنها فيمن ظلم ظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال ظالمه
الخامسة واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم هذه

متعلقة بالتي قبلها وحكمها حكمها وزعم بعضهم أن الصبر هنا نسخ بآية السيف

سورة الإسراء

الأولى وقل رب ارحمهما ذهب بعضهم إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين وهذا ليس بنسخ عند الفقهاء وإنما هو تخصيص العام
الثانية وما أرسلناك عليهم وكيلا زعم بعضهم نسخها بآية السيف وقد منعنا ذلك في نظائرها

سورة طه

الأولى فاصبر على ما يقولون قيل فاصبر على ما تسمع من أذاهم ونسخ بآية السيف
الثانية قل كل متربص فتربصوا قال بعض المفسرين نسخت بآية السيف

سورة الحج

الأولى وإن جادلوك فقل الله علم بما تعملون قيل عن المشركين ثم نسخ بآية السيف وقيل المنافقين كان تظهر منهم فلتات ثم يجادلون عنها فأمر أن يكل أمرهم إلى الله فعلى هذا الآية محكمة
الثانية وجاهدوا في الله حق جهاده قيل منسوخة لأن فعل ما فيه وفاء لحق الله لا يتصور من أحد وفي ناسخها قولان أحدهما لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقيل فاتقوا الله ما استطعتم وقيل هي محكمة والمراد منها بذل الإمكان على ما بينا في قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته

سورة المؤمنون

الأولى فذرهم في غمرتهم حتى حين قيل نسخت بآية

السيف وقيل معناها التهديد فهي محكمة
الثانية ادفع بالتي هي أحسن السيئة ادعى بعضهم نسخها بآية السيف ولا حاجة الى هذه الدعوى لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين أو تؤدي الى إثبات باطل أو إبطال حق

سورة النور

الأولى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال ابن المسيب نسخها وانحكوا الأيامى منكم
الثانية لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم الآية قال بعض ناقلي التفسير نسخ من هذا النهي العام حكم البيوت التي لا أهل لها يستأنسون بقوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة وهذا تخصيص لا نسخ
الثالثة فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم

قيل نسختها آية السيف وليس بصحيح لأن الأمر بقتالهم لا ينافي أن يكون عليه ما حمل وعليهم ما حملوا وإذا لم يقع تنافي فلا نسخ

سورة الفرقان

أفأنت تكون عليه وكيلا قيل نسختها آية السيف وليس بصحيح لأن معناها أفأنت تكون عليهم حفيظا تحفظ من اتبع هواه فليس للنسخ وجه

سورة النمل

فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه قال بعضهم نسختها آية السيف وقد تكلمنا في ضمن هذا وهنا عدم النسخ

سورة القصص

وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم

أعمالكم قال الأكثرون نسختها آية السيف

سورة العنكبوت

ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قيل هي منسوخة بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية وقيل محكمة فمن أدى الجزية لم يقل له إلا الحسن

سورة السجدة

فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ذكروا أنها نسخت بآية السيف

سورة الأحزاب

الأولى ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم زعم جماعة نسخها بآية السيف
الثانية فمتعوهن وسرحوهن إن هذا لمن لم يسم لها مهرا لقوله أو تفرضوا لهن فريضة وهل هذه المتعة مستحبة أو

واجبة قول الأكثر أنها واجبة للمطلقة التي لم يسم لها مهرا إذا طلقها قبل الدخول فعلى هذا الآية محكمة وقال قوم المتعة واجبة لكل مطلقة ثم نسخت بقوله فنصف ما فرضتم
الثالثة لا يحل لك النساء من بعد قيل نسخت بقوله إنا أحللنا لك أزواجك وقيل محكمة ثم فيها قولان أحدهما إن الله أثاب نساء من اخترنه بأن قصره عليهن فلم يحل له غيرهن ولم ينسخ هذا والثاني أن المراد بالنساء ها هنا الكافرات قاله مجاهد

سورة سبأ

قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون زعموا أنها نسخت بآية السيف ولا وجه للنسخ لأن الإنسان لا يسأل عن عمل غيره

سورة الصافات

الأولى فتول عنهم حتى حين قال قتادة الى موتهم وقال ابن زيد الى القيامة فعلى القولين يتوجه النسخ بآية

السيف
الثانية وأبصرهم فسوف يبصرون المعنى انتظر إليهم إذا أنزل بهم ببدر فسوف يبصرون ما أنكروا وكانوا يستعجلون به في الدنيا وقوله تهديدا وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون تكرار إلى يقينه وتوكيده

سورة الزمر

الأولى قل يا قوم اعملوا على مكانتكم زعم قوم أنها منسوخة بآية السيف والصحيح أنها محكمة وهو تهديد
الثانية فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل زعم قوم نسختها آية السيف وقد تكلمنا على نظائرها ومنعنا النسخ

سورة المؤمن

فاصبر إن وعد الله حق في موضعين وقد ذكروا نسخها

بآية السيف وعلى ما قررنا في نظائرها النسخ

سورة السجدة

ادفع بالتي هي أحسن قيل نسخت بآية السيف والأكثر أنه لدفع الغضب بالصبر والإساءة بالعفو وقيل لا تخص الكفار فلا وجه للنسخ

سورة حم عسق

الأولى ويستغفرون لمن في الأرض قال وهب وغيره نسخت بقوله ويستغفرون للذين أمنوا وليس بصحيح لأن المراد بمن في الأرض المؤمنين
الثانية الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل قيل منسوخة بآية السيف وقد ذكرنا مذهبنا في نظائرها فلا نسخ
الثالثة لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم قال

الأكثرون اقتضت الاقتصار على الإنذار ثم نسخت بآية السيف وقال بعضهم معناها الكلام بعد إظهار البراهين قد سقط بيننا فلم يبق إلا السيف فعلى هذا هي محكمة
الرابعة ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها قال بعضهم نسخ بقوله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وليس بصحيح لأنه لا يؤتى إلا ما شاء ويكون المعنى لمن نريد أن نفتنه
الخامسة والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون زعم قوم أنها أثبتت الانتصار بعد البغي ثم نسخ هذا بقوله ولمن صبر وغفر والتحقيق أنها محكمة لأن الانتصار مباح والتبصر والغفران فضيلة
السادسة فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ زعم بعضهم نسخها بآية السيف وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأنه لا نسخ

سورة الزخرف

الأولى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون زعم بعضهم نسخها بآية السيف وقد ذكرنا مذهبنا في نظائرها وأنها واردة للوعيد والتهديد فلا نسخ
الثانية فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون قالوا منسوخة بآية السيف

سورة الدخان

فارتقب إنهم مرتقبون ذكر بعضهم نسخها بآية السيف وليس بصحيح لأنه لا يتأتى في ارتقاب عذابهم ومن قتالهم

سورة الجاثية

قل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله جمهور

المفسرين أنها تضمنت الإعراض عن المشركين ثم نسخها بآية السيف

سورة الأحقاف

وما أدري ما يفعل بي ولا بكم اختلفوا هل المراد بذلك الدنيا أما الآخرة فمن قال الآخرة قال نسخت بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقوله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ومن قال الدنيا قال ما أدري ما يجري علينا من أمور الدنيا وهذا الصحيح ولا يتصور النسخ في مثل هذه الآية وإذا لم يعلم الحالة ثم أعلم بها له لم يلزم ذلك نسخا

سورة محمد

فإما منا بعد وإما فداء فيها قولان أحدهما أنها محكمة ولأن الحكم المن والفداء باق لم ينسخ وهذا مذهب أحمد والشافعي والثاني أنه نسخ بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهو قول أبي حنيفة

سورة ق

وما أنت عليهم بجبار نسخ بآية السيف

سورة الذاريات

الأولى وفي أموالهم حق للسائل والمحروم من قال إشارة إلى الزكاة أو إلى التطوع رآه محكما ومن قال هو شيء كان يجب سوى الزكاة رآه منسوخا بالزكاة
الثانية فتول عنهم فما أنت بملوم قالوا نسختها آية السيف

سورة الطور

الأولى قل تربصوا فإني معكم من المتربصين قالوا نسخت بآية السيف ولا يصح لما بينا في نظائرها

الثانية فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف وإذا كان معناها الوعيد فلا يصح
الثالثة واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا قال بعضهم يعني الصبر منسوخ بآية السيف وإنما يصح هذا لو كان المراد الصبر عن القتال والصبر هنا مطلق يمكن أن يشار به الى الصبر على أوامر الله

سورة النجم

فأعرض عن من تولى عن ذكرنا زعموا أنها منسوخة بآية السيف ومثالها في سورة القمر فتول عنهم يوم يدع الداع

سورة المجادلة

إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة نسخت بقوله أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات

سورة الحشر

ما أفآء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ذهب بعضهم أنها منسوخة بقوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول وقال بعضهم بل هي مبينة حكم الفيء وهو ما أخذ من المشركين مما لم يؤخذ عليه خيل ولا ركاب كالصلح والجزية والعشور وآية الأنفال مبينة لحكم الغنيمة فلا يصح

سورة الممتحنة

الأولى والثانية لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين وقوله إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين قال قتادة نسخت بآية السيف وقال ابن جرير لا وجه للنسخ لأن بر المؤمنين للمحاربين إذا لم يكن فيه تقوية على الحرب أو دلالة على الإسلام جائز
الثالثة والرابعة إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن

الآية وقوله وإن فاتكم شيء من أزواجكم الى الكفار فعاقبتم الآية دل على أن الأحكام المذكورة في الآية من أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخ وقد نص أحمد على هذا قال مقاتل كل هذه الآيات نسخت بآية السيف

سورة التغابن

وإن تعفوا وتصفحوا قالوا نسخ بآية السيف وقد روينا سبب نزولها أن الرجل كان إذا أراد الهجرة منعه أهله حبا لإقامته عندهم فعلى هذا لا نسخ

سورة ن

الأولى فذرني ومن يكذب بهذا الحديث قالوا نسخت بآية السيف وإذا قلنا أنه وعيد فلا نسخ
الثانية فاصبر لحكم ربك قال بعضهم نسخ يعني

الصبر بآية السيف وقد تكلمنا على نظائرها

سورة المعارج

الأولى فاصبر صبرا جميلا والآية الثانية فذرهم يخوضوا ويلعبوا قال جماعة نسخت بآية السيف وقد تكلمنا على نظائرها ومنعنا النسخ

سورة المزمل

الأولى قم اليل إلا قليلا نصفه كان قيام الليل فرضا عليه وعلى أمته ثم نسخ بقوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وقيل نسخ عن الأمة وبقي فرضا عليه وقيل بل كان فرضا عليه دونهم
الثانية واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ذهب أكثرهم إلى نسخها بآية السيف وقيل المعنى اصبر على ما يقولون من تلبيسهم واهجرهم هجرا لا جزع فيه فعلى هذا لا نسخ

ومثلها في هل أتى فاصبر لحكم ربك وفي الطارق فمهل الكافرين
الثالثة وذرني والمكذبين هذا وعيد فهو محكم وقد قالوا نسخ بآية السيف ومثله في المدثر ذرني ومن خلقت وحيدا

سورة الغاشية

لست عليهم بمصيطر قيل نسخت بآية السيف وقيل معناها لست عليهم بمسلط فتكرههم على الإيمان فعلى هذا لا نسخ

سورة الكافرون

لكم دينكم ولي دين قال الأكثرون نسخت بآية السيف وإنما يصح هذا لو كان المعنى قد أقررتكم على

دينكم وإذا لم يكن المفهوم هذا بعد النسخ والله أعلم وصلى الله على سيدنا وآله وصحبه وسلم تسليما انتهت

 

السبت، 9 أبريل 2022

ج 7.ج 7.كتاب : المغازي الواقدي

ج 7.كتاب : المغازي الواقدي  

أقسام الكتاب 1 2 3 4 5 6 7**


قال: فحدثني أبو مروان، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل حصى العقبة من المزدلفة.
قال: حدثني الثوري، عن أيمن بن نائل، قال: سمعت قدامة ابن عبد الله الكلابي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة صهباء، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك.
قال: فحدثني ابن أبي سبرة، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن أبي معمر عبد الله بن شخيرة، عن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع التلبية حتى رمى الجمرة.
قال: فحدثني ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع التلبية حتى رمى الجمرة. قال: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر قال: " هذا المنحر، وكل مني منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر " ، ثم نحر بيده ثلاثاً وستين بالحبة، ثم أعطى رجلاً فنحر ما بقي، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، من البدن التي نحر، فجعل في قدر فطبخه، فأكل من لحمها وحسا من مرقها.
قال: فحدثني معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي عليه السلام قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال بدنه وجلودها ولحومها، ولا أعطي منها في جزرها شيئاً.
حلق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلمقالوا: لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى دعا الحلاق. وحضر المسلمون يطلبون من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطى الحلاق شق رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري. وكلمه خالد ابن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه، فكان يجعلها في مقدم قلنسوته، فلا يلقى جمعاً إلا فضه. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كنت أنظر إلى خالد بن الوليد وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق، وفي الحديبة، وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة، وهي تعتب في العقل، ثم نظرت إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحلق رأسه، وهو يقول: يا رسول الله، ناصيتك! لا تؤثر بها على أحداً، فداك أبي وأمي! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يضعها على عينيه وفيه.
قال: وسألت عائشة رضي الله عنها: من أين هذا الشعر الذي عندكن؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه في حجته فرق شعره في الناس، فأصابنا ما أصاب الناس. فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظفاره، وأمر بشعره وأظفاره أن يدفنا. وقصر قوم من أصحابه وحلق آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله المحلقين " ! ثلاثاً، كل ذلك يقال: المقصرين يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والمقصرين " ! في الرابعة.
قالوا: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص، وجلس للناس، فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افعلوه ولا حرج! قال: فحدثني أسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، أن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر. فقال: انحر ولا حرج! قال: يا رسول الله، نحرت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج! قال: فحدثني ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي ينادي في الناس: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها أيام أكل وشرب وذكر الله " . قال: فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصراً بالحج، أو متمتعاً إلى الحج، فإن الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوموا أيام منى. فأفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ويقال: أفاض ليلاً في نسائه مساء يوم النحر، وأمر أصحابه فأفاضوا بالنهار، فأتى زمزم فأمر بدلو فنزع له، فشرب منه وصب على رأسه، وقال: " لولا أن تغلبوا عليها يا ولد عبد المطلب لنزعت منها " .

قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، قال: نزع النبي صلى الله عليه وسلم دلواً لنفسه من زمزم. قال عطاء: فكنت أنتزعه لنفسي، فلما كبرت وضعفت كنت آمر من ينزعه لي. وكان يرمي الجمار حين تزيغ الشمس قبل الصلاة، فكان إذا رمى الجمرتين علاهما، ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي. وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية، ولا يقف عند الثالثة، فإذا رماها انصرف.
قال: حدثني معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رمى الجمرتين وقف عندهما ورفع يديه، ولا يفعل ذلك في رمي العقبة، فإذا رماها انصرف. ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للرعاء أن يبيتوا عن منى، ومن جاء منهم فرمى بالليل، ورخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
قال: فحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن حزم، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء في البتوتة عن منى.
قالوا: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارموا بمثل حصى الخذف " ! وكان أزواجه يرمين مع الليل.
خطبة النبي يوم النحرقال: فحدثني هشام بن عمارة، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن عمارة بن حارثة، عن عمرو بن يثربي، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه، قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد م يوم النحر بعد الظهر على ناقته القصواء. وزاد أحدهما على صاحبه في القصة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، اسمعوا من قولي فاعقلوه، فإني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في هذا الموقف! أيها الناس، أي شهر هذا؟ قال: فسكتوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا شهر حرام! فأي بلد هذا؟ فسكتوا، فقال: بلد حرام! ثم قال: أي يوم هذا؟ فسكتوا، فقال: يوم حرام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد حرم دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم! قال: اللهم، اشهد! ثم قال: إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم؟ قال: اللهم اشهد؛ ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل رباً في الجاهلية موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع؛ وأول دماءكم أضع، دم إياس بن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد ابن ليث، فقتلته هذيل ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم، نعم! قال: اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب! ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم، ولا يحل مال مسلم إلا ما أعطى عن طيب نفس " .

فقال عمرو بن يثربي، فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي، أجزر منها شاة؟ قال: وعرفني فقال: إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزناداً بخبت الجميش الجميش واد قد عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالساحل كثير الحطب، وهو واد لبنى ضمرة، وهو منزل عمرو بن يثربي، ويقال: خبت الجميش موضع صرحاء، يقال جنب كداء فلا تهجها! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس " إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله " . ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله عشر شهراً في كتاب الله، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر، الذي بين جمادى الآخر وشعبان؛ والشهر تسعة وعشرون يوماً، وثلاثون، ألا هل بلغت؟ فقال الناس: نعم! فقال: اللهم اشهد! ثم قال: أيها الناس، إن للنساء عليكم حقاً، وإن لكم عليهن حقاً، فعليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً، ولا يدخلن بيوتكم أحداً تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وأن تضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم!قال: اللهم، اشهد! أيها الناس، إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه، فقد رضي به. إن كل مسلم أخو المسلم، وإنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله، إلا بطيب نفس منه، وإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله. ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بضع. إني قد تركت فيكم ما لا تضلون به، كتاب الله، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم! قال: اللهم، اشهد " ! ثم انصرف إلى منزله.
عن ابن جريج قال: سئل عطاء: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك وبالنعل. قال عطاء: وسئل ابن عباس عن قوله عز وجل: " وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً " قال: كلمة النكاح. قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت أحد ليالي منى بسوى منى.
قال: حدثني سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر يوم الصدر بالأبطح.
قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار. عن أبي رافع. قال: ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل منزلاً، جئت الأبطح فضربت قبته. فجاء فنزل. قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنما نزل بالمحتصب لأنه كان أسمح لخروجه.
قال: حدثني ابن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي، فقيل له: قد حاضت! قال: أحابستنا هي؟ فقيل: يا رسول الله، إنها قد أفاضت. قال: فلا إذاً! فلما جاءت عائشة رضي الله عنها من التنعيم وقضت عمرتها، أمر بالرحيل؛ ومر صلى الله عليه وسلم بالبيت فطاف فيه قبل الصبح، ثم انصرف راجعاً إلى المدينة.
قالوا: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي ثلاث يقيم بها المهاجر بعد الصدر. وكان سائل سأله أن يقيم بمكة، فلم يرخص له أن يقيم إلا ثلاثة أيام، قال: إنها ليست بدار مكث ولا إقامة! قال: فحدثني خالد بن إلياس، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبيد ابن جريج، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ودع البيت فكان في الشوط السابع خلف البيت يمنى الباب. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: تعوذ بين الركن الأسود والباب، وألصق بطنه وجبهته بالبيت.

قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من حج أو عمرة أو غزوة، فوافى على ثنية أو فدفد، " كبر ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير: آيبون، تائبون، ساجدون، عابدون، لربنا حامدون! صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده! اللهم، إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال! اللهم، بلغنا بلاغاً صالحاً نبلغ إلى خير مغفرة منك ورضوان " ! قالوا: ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرس نهى أصحابه أن يطرقوا النساء ليلاً، فطرق رجلان أهلهما، فكلاهما وجد ما يكره. وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وكان إذا خرج إلى الحج سلك على الشجرة، وإذا رجع من مكة دخل المدينة من معرس الأبطح. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرسه في بطن الوادي، فكان فيه عامة الليل، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: هذه الحجة، ثم ظهور الحصر! وكن يحججن إلا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة، قالتا: لا تحركنا دابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
عيادة النبي لسعد بن أبي وقاص بعد حجة الوداعقال: حدثني معمر، ومحمد بن عبد الله، ومالك، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع أصابني، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، فأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا! قلت: فالشطر؟ قال: لا! ثم قال: الثلث، والثلث كثير! إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك! فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي؟ فقال: إنك إن تخلف فتعمل صالحاً تزدد خيراً ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام أو يضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم! لكن البائس سعد بن خولة يرثي له أن مات بمكة.
قال: فحدثني سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن محمد بن الأعرج، قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد رجلاً وقال: إن مات سعد بمكة فلا تدفنه بها.
قال: فحدثني سفيان، عن محمد بن قيس، عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: قال سعد بن أبي وقاص للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها؟ قال: نعم! قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن سعد، قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها على فؤادي، ثم قال: إنك رجل مفؤود المفؤود وجع الفؤاد فائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف، إنه رجل يطبب؛ فمره فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن أي بدقهن ثم ليدلكك بهن.
غزوة أسامة بن زيد مؤتة

قالوا: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه، ووجد عليهم وجداً شديداً، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليالي بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالإنكماش في غزوهم. فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد، يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر، دعا أسامة بن زيد فقال: " يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحاً على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدع وحم. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء، ثم قال: يا أسامة، اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله؛ اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم، اكفناهم، واكفف بأسهم عنا! فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا ولا تفشلوا فتذهب ريحكم. وقولوا: اللهم، نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت! واعلموا أن الجنة تحت البارقة " .
قال: حدثني يحيى بن هشام بن عاصم الأسلمي، عن المنذر بن جهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة، شن الغارة على أهل أبنى! قال: فحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغير على أبنى صباحاً وأن يحرق.

قالوا: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة: " امض على اسم الله " ! فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف، وضرب عسكره في سقاية سليمان اليوم. وجعل الناس يجدون بالخروج إلى العسكر، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛ في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش. فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولاً عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت القالة في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول، فرده على ما تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعيه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله، لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله؛ وايم الله، إن كان للإمارة لخليقاً وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم " ! ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول. وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنفذوا بعث أسامة " ! ودخلت أم أيمن، فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامة! فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل مغمور، وهو اليوم الذي لدوه فيه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يصبها على أسامة. قال: فأعرف أنه كان يدعو لي. قال أسامة: فرجعت إلى معسكري. فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله! فودعه أسامة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح، وجعل نساءه يمتاشطن سروراً براحته. فدخل أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي! فأذن له فذهب إلى السنح، وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار. فبينا أسامة يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فتوفي رسول الله حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه أمر بريدة أ، يذهب باللواء إلى بيت أسامة وألا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة. قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة، ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة، ثم رجعت به إلى بيت أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد عن الإسلام، قال أبو بكر رضي الله عنه لأسامة رحمة الله عليه: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار

المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد ابن زيد، فقالوا: يا خليفة رسول الله، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، اجعلهم عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم! وأخرى، لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليهم وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام برجانه، وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف؛ ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا! فلما استوعب أبو بكر رضي الله عنه منهم كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شئياً؟ قالوا: لا، قد سمعت مقتالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه؛ ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة! ولكن خصلة؛ أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا غناء بنا عنه. والله، ما أدري يفعل أسامة أم لا، والله إن رأى لا أكرهه! فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر رضي الله عنه إلى أسامة في بيته، وكلمه أن يترك عمر، ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم! وخرج وأمر مناديه ينادي: عزم مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً. وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة، فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.هاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد ابن زيد، فقالوا: يا خليفة رسول الله، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، اجعلهم عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم! وأخرى، لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليهم وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام برجانه، وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف؛ ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا! فلما استوعب أبو بكر رضي الله عنه منهم كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شئياً؟ قالوا: لا، قد سمعت مقتالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه؛ ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة! ولكن خصلة؛ أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا غناء بنا عنه. والله، ما أدري يفعل أسامة أم لا، والله إن رأى لا أكرهه! فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر رضي الله عنه إلى أسامة في بيته، وكلمه أن يترك عمر، ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم! وخرج وأمر مناديه ينادي: عزم مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً. وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة، فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.
وخرج أبو بكر رضي الله عنه يشيع أسامة والمسلمين، فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فارس فسار أبو بكر رضي الله عنه إلى جنب أسامة ساعة، ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج سريعاً فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا ع الإسلام جهينة وغيرها من قضاة فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يقال له حريث ، فخرج على صدر راحلته أمامه فغذا حتى انتهى إلى أبنى؛ فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع، وأن يشنها غارة.

قال: فحدثني هشام بن عاصم، عن المنذر بن جهم قال: قال بريدة لأسامة: يا أبا محمد، إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أطاعوه خيرهم، وإن أحبوا أن يقيموا في دارهم ويكونوا كأعراب المسلمين، ولا شيء لهم في الفئ ولا الغنيمة إلا أن يجاهدوا مع المسلمين؛ وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة: هكذا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني، وهو آخر عهده إلي، أن أسرع السير وأسبق الأخبار، وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء، فأحرق وأخرب. فقال بريد: سمعاً وطاعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبأ أصحابه وقال: اجعلوها غارة ولا تمعنوا في الطلب ولا تفترقوا، واجتمعوا واخفوا الصوت، واذكروا اله في أنفسكم، وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع عليهم الغارة، فما نبح كلب ولا تحرك أحد، وما شعروا إلا بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت!. فقتل من أشرف له،وسبى من قدر عليه، وحرق في طوائفهم بالنار، وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين. وأجال الخيل في عرصاتهم، ولم يمعنوا في الطلب؛ أصابوا ما قرب منهم وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه التي قتل عليها أبوه يوم مؤتة كانت تدعى سبحة؛ وقتل قاتل أبيه في الغارة، خبره به بعض من سبى؛ وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً، وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل، ومضى الدليل أمامه، حريث العذري، فأخذوا الطريق التي جاء منها، ودانوا ليلتهم حتى انتهوا بأرض بعيدة، ثم طوى البلاد حتى انتهى إلى وادي القرى في تسع ليال، ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة، وما أصيب من المسلمين أحد. فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص، فدعا بطارقته فقال: هذا الذي حذرتكم، فأبيتم أن تقبلوه مني. قد صارت العرب بأتي مسيرة شهر تغير عليكم، ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه: سأقوم فأبعث رابطة تكون بالبلقاء. فبعث رابطة واستعمل عليهم رجلاً من أًصحابه، فلم يزل مقيماً حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قالوا: واعترض لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث قرية هناك قد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته فأصابوا من أطرافه، فناهضهم أسامة بمن معه، وظفر بهم وحرق عليهم، وساق نعماً من نعمهم، وأسر منهم أسيرين فأوثقهما، وهرب من بقي، فقدم بهما المدينة فضرب أعناقهم.
قال: فحدثني أبو بكر بن يحيى بن النضر، عن أبيه، أن أسامة بن زيد بعث بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين، وأنهم قد أغاروا على العدو فأصابوهم، فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر رضي الله عنه في المهاجرين، وخرج أهل المدينة حتى العواتق سروراً بسلامة أسامة ومن معه من المسلمين، ودخل يومئذ على فرسه سبحة كأنما خرجت من ذي خشب، عليه الدرع، واللواء أمامه يحمله بريدة، حتى انتهى به إلى المسجد، فدخل فصلى ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، فغاب خمسة وثلاثين يوماً، عشرون في بدأته، وخمسة عشر في رجعته.
قال: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة امرأة من طيئ، ففارقها وزوجه أخرى. وولد له في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنائه بأهله.
قال: فحدثني أبو الحر عبد الرحمن بن الحر الواقفي، من ولد السائب، عن يزيد بن حصيفة، أن ابناً لأسامة بن زيد بن حارثة رحمه الله دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة، وهو أسود، فقالت أم سلمة: يا رسول لاله، لو كان هذا جارية ما نفقت. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، إن شاء الله يجعل لها مسكان من ورق، وقرطان، ويجعل على المسلمين حلوق، فكأنه ذهب.

قال: حدثني محمد بن حوط، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، قال: كان أسامة بن زيد قد أصاب الجدري أول ما قدم المدينة وهو غلام، مخاطه يسيل على فيه، فتقذر به عائشة رضي الله عنها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق يغسل وجهه ويقبله. قالت عائشة: أما والله، بعد هذا فلأ أقصيه أبداً.
عن محمد بن الحسن، عن حسين بن أبي حسين المازني، عن ابن قسيط، عن محمد بن زيد، قال: سقط أسامة فأصاب وجهه شجة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص الدم ويبصقه.
عن ابن جريج، وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى ابن جعدة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة وهي تمسح عن وجه أسامة شيئاً، فكأنها تأذت به؛ فاجتذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهرها، فقالت: لا أتأذى به أبداً.
قال: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن مجزز المدلجي نظر إلى زيد وأسامة، وعليهما قطيقة رهما مضطجعان، قد خمرا رؤوسهما وأرجلهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبه أسامة زيد بن حارثة.
عن محمد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عياناً قط إلا مرة واحدة، جاء زيد بن حارثة من غزوة يستفتح، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقام عرياناً يجر ثوبه فقبله.
قال: حدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الحويرث، ومخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم كلثوم بنت عقبة: تزوجي زيد بن حارثة فإنه خير لك. فكرهت ذلك، فأنزل الله عز وجل: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً " . صدق الله العظيم.
تم كتاب المغازي بحمد الله ومنه
 
أقسام الكتاب 1 2 3 4 5 6 7**
 =======

ج1.وج2.وج3.{كتاب أسباب نزول القرآن : الواحدي}

  ج1. الكتاب أسباب نزول القرآن : الواحدي   بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر قال الشيخ الامام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي الني...